ثم إن العائلة الحديثة ـ لعدم تمكن العصر من وضع البرامج الصحيحة التي يكون محورها الإنسان ـ ابتليت بأمور أولدت مشاكل، وهي:
1 ـ صغر حجم العائلة [الأبوان والأولاد الصغار غالباً] فلا تتنعم العائلة بدفء السعة وحنان الأقرباء، وذلك لأن توجه كل واحد إلى المزيد من المادة وعدم الثقافة التي توجب ربط الأقرباء بعضهم ببعض، أوجب انفصام العائلة الوسيعة، حتى أن الأبوين يخرجان بناتهم عند الرشد عن الدار ليعملن بأنفسهن ولإعطاء إيجار المنزل لتحصيل المزيد من المادة.
2 ـ ليست الدار مركز الإنتاج، كما كان في عصر الإنتاج اليدوي، بل كل من الأبوين والأولاد ـ إذا بقوا في البيت ـ يذهب للعمل في الخارج، والأمر إلى هنا لا بأس به،وإنما البأس في الانفصام الحاصل من ذلك، حيث كثيراً ما يبقى في الخارج أسبوعاً أو ما أشبه في عمله، ولا يتلاقى أهل المنزل إلا في أيام العطلة، وذلك يورث تقلص العاطفة والدفء، حيث أن كل صفة لم تراع تقلصت وذبلت.
3 ـ قلّ تسلط الأبوين على الأولاد مما سبب عدم إمكان تربيتهما لهم، وذلك لأن الانفصام أوجب عدم تمكن الأبوين من رعاية الأولاد، وعدم الرعاية يلازم عدم التسلط.
4 ـ وفي المقابل قلّ اعتناء الأولاد بالأبوين، وعدم احترامهما وجعلهما أسوة، وذلك بالإضافة إلى أنه يسبب بقاء الجميع في حالة ضياع وغربة ووحشة نفسية، بسبب عدة تربي الأولاد تربية صالحة مما يجعلهم نهباً للوسواس والشهوات والتيارات، ولذا نجد الاضطرابات الشبابية في كل مكان.
وعلى هذا فإن أمكن إرجاع الدفء العائلي، بالجمع بين الصناعة وبين الدار، وبين المادة والروح، لزم وضع برامج لذلك، تفادياً عن المشاكل الحاضرة، وإن لم يكن ـ ولو في الخط القريب ـ كان اللازم جعل برامج لحفظ الشباب عن الانزلاق وذلك يمكن بـ:
أ ـ تقوية الثقافة الاجتماعية الصحيحة، حتى تستوعب الشباب أينما كانوا ليعوض ذلك عن ما فقدوه من العائلة الصحيحة.
ب ـ تكوين الأحزاب والنقابات الصحيحة، لتجمع الشباب وتصرف طاقاتهم في البناء بدل الهدم أو الضياع.
ج ـ تكوين [وزارة الشباب] للعمل الدائب في انتشالهم من المزا لق والمهاوي.
د ـ تكوين المؤسسات الشبابية لجمعهم وهدايتهم إلى الصراط السوي وذلك بإعطائهم حاجاتهم، وحل مشكلاتهم، والإجابة على أسئلتهم، وصرف طاقاتهم في المصارف الصحيحة.
5 ـ قل اتكاء المرأة على الرجل، لأن الاتكاء كان من جهة الثقافة الاجتماعية ومن جهة الاحتياج، وكلا الأمرين تبدلا إلى الضد، حيث أن الثقافة الحديثة المادية، أوجبت انسياب المرأة، كما أن الصناعة الحديثة والنظام الحديث أوجبا تسديد المرأة لحاجات نفسها بالوظيفة أو بالعمل الصناعي… وقد انعكس ذلك، إلى قلة مبالاة الرجل بالمرأة، حيث أن الاتكاء والعطف يتقابلان زيادة ونقيصة، وهذا أوجب تحويل الدار إلى جو باهت لا تجد العائلة فيها العطف والدفء.
6 ـ تحوّل قسم من أعمال الأولاد إلى خارج الدار، أخذاً من دار الرضاعة والحضانة إلى البلوغ والرشد، وذلك لأن كثرة أعمال الأبوين، من ناحية، وتأسيس المؤسسات المعنية من ناحية ثانية، أوجبت أن تحول الأولاد إلى خارج الدار، وقد سبب ذلك بعض ما تقدم من المشاكل.
وتبعاً لبعض ما تقدم وقعت العائلة في مهب الانفصام، من جهة أن المحور المادة، ومن جهة الثقافة الانفصالية في المجتمع والتي منها الثقافة الماركسية التي لا ترى للعائلة احتراماً، ومن جهة اختلاف آراء العائلة في الأمور السياسية ونحوها مما أوجد النزاع الدائم، ومن جهة سرعة استغناء كل من الزوجين عن الآخر،